رضوى محمد
الغالب ممن يعيشون زماننا هذا لا يتذكر مشهد لفلسطين سوى وهي مجروحة ومذبوحة يسيل دمها، لا يعرف السواد الأعظم كيف يكون المسجد الأقصى، لا تتجسد البلد الأمين الباسلة المُناضلة أمام أنظارنا جميعًا إلا وهي مدمرة مليئة بالأشلاء ودخان الدمار يملأها، ورائحة الموت هي الغالبة على المشهد، وصوت الكآبة هو السيد على شوارعها وحواريها.
نعلم جميعنا من المسئول عن كل هذا الحزن المُسيطر على بلدتنا وعن هذا الدمار ومتى بدأت تلك النكبة عندما قام المدعو بلفور بوعده الأسود فبدأت من هنا محنة بلدنا الحبيب، ولكن كيف كان المشهد قبل هذا سنحاول تغطية هذا الجانب الذي لم يُسلط عليه الضوء بكثرة خلال مقالنا هذا.
حال البلاد قبل الاحتلال الإنجليزي
كانت فلسطين قبل احتلال دولة إنجلترا لها تقع تحت حكم العثمانيين، بداية من محمد علي باشا الذي جعل الشام بأكمله تحت ولاية ابنه إبراهيم باشا حتى قام العثمانيون بطرده واكتفى بحكم مصر حتى ثار الضباط الأحرار على حفيده فاروق عام 1952.
خلال فترة ما قبل البريطانيين كانت فلسطين في أزهى عصورها، فقد قام العثمانيون بنهضة في جميع مدن فلسطين لا تُخطأها أي عين ظهر ذلك في جمال المعمار في كل المدائن، وفي نظافة الشوارع والزِقاق.
كان هناك كذلك نهضة في التعليم فانتشرت المدارس في كل مكان وكان هناك وجود لتلك التي تقوم بتدريس أكثر من لغة وانتشر الفن والثقافة في كل الربوع.
فكنت ترى السيدات الأنيقات يجلسن يتسامرن في الحديث في الشرفة الأنيقة وخلفيتهن قبة مسجد قبة الصخرة في جمال جعل المشهد كـ”لوحة” رسمها فنان مرهف الإحساس.
تجد السقى يمشي في شوارع المدن يُعطي مائه للناس في جمال وحب، والتلاميذ يذهبون إلى مدارسهم في أمان، وفلاحين يزرعون أراضيهم ويبنون بيوتهم بالطوب اللبن ويملئون الدنيا بالخير.
كانت الشوارع نظيفة يمشي فيها الناس بكل طوائفهم من الفلاحين والأفندية كل يذهب إلى مقصده، القصاص يمشي في شوارع المدن يحكي قصصًا لطيفة للأطفال في سعادة ومرح.
كان هناك خط سكة حديد يُعتبر طفرة من التقدم وقتها يربط بين تركيا والحجاز ويمر بفلسطين, كان الوطن يمتلأ بأبنائه فلا صحة لمن قال زورًا عنها أنها وطن بلا شعب فيجب أن تكون وطنًا لشعب بلا أرض.
بداية الاحتلال البريطاني
لم يكن احتلال بريطانياً هو أول محاولة لاحتلال فلسطين بل قام قبلها نابليون بونابرت بمحاولة عام 1799 عن طريق حصار مدينة عكا ظنًا منه وقوعها بسهولة، وذلك بعد أن سيطر على يافا قبلها وخلف ورائه مذبحة من الجنود الألبان المسلمين.
إلا أن الوضع في عكا كان يختلف فقد هُزم هو وجنوده شر هزيمة أما العنيد أحمد الجزار باشا بعد حصار دام شهر ونصف، فكانت عكا له بمثابة المقبرة لأحلامه وطموحاته فقد صمد الجزار ورجاله وقاتلوا باستماتة حتى جعلوه ولى الأدبار هو وجنوده.
ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن فقد استطاعت بريطانيا خلال الحرب العالمية الأولى بقيادة ألنبي من دخول فلسطين ومدينة القدس واحتلالها، وبمجرد سيطرتهم على البلاد ذهب ألنبي إلى قبر صلاح الدين الأيوبي ووقف أمامه وقال ها قد عدنا يا صلاح الدين.
وعد بلفور
كانت رسالة أرسلها وزير الخارجية البريطاني إلى البارون روتشيلد عام 1917 قبل غزوهم لفلسطين، عبر فيها عن تعاطف بريطانيا وترحيبها بقيام الحركة الصهيونية باتخاذ فلسطين وطنًا لهم، فكان بهذا يعد بما لا يملك لمن لا يستحق.
شجعت رسالة بلفور يهود أوروبا بالهجرة إلى فلسطين على شكل واسع في الفترة ما بين الحرب العالمية الأولى والثانية، وقد كانت الحركات المضادة للسامية في بدأ انتشارها.
السر في قيام إنجلترا بذلك اختلف فيه المفسرون فمنهم من قال لجذب تأييد يهود أمريكا وكانوا كُثر لهم فيقوموا بدفع أمريكا لمساندة بريطانيا في الحرب، وقيل لأن ذلك ما نص عليه كتاب العهد القديم، وقيل كذلك للتخلص من مشاكل اليهود.
الانتداب البريطاني على فلسطين
عام 1920 انعقد مؤتمر سان ريمو والذي نص على انتداب بريطانيا على فلسطين مما أدى إلى اندلاع مظاهرات شديدة احتجاجًا على وعد بلفور.
يأتي بعدها تعيين للشيخ أمين الحسيني عام 1921 مفتيًا للقدس وبدأ في الخطابة وسط الفلسطنيين وحثهم على التمسك بالهوية العربية الإسلامية لبلدهم.
استمرت الاعتراضات والثورات الفلسطينية ضد وجود الصهاينة على أرضهم، وظهرت عام 1930 حركة الكف الأسود برئاسة عز الدين القسام والتي كانت خير مُكافح ومضاد للانتداب البريطاني ومحاولة اليهود للاستيطان في فلسطين.
اندلاع ثورة بدايتها يافا أسفرت عن مقتل خمسة آلاف فلسطيني.
إعلان دولة إسرائيل
عام 1947 أعلنت الأمم المتحدة تقسيم فلسطين إلى دولتين مسلمة ويهودية وسحبت بريطانيا انتدابها من فلسطين، ولكن كان هناك اعتراض من الدول العربية وإصرار على عربية دولة فلسطين.
قامت الأمم المتحدة إعلان خضوع المسجد الأقصى والقدس للسيطرة الدولية، وفي عام 1948 أعلنت اسرائيل استقلالها ولم تفلح الشعوب العربية في السيطرة على الأمر, ومن هنا بدأ وجود دولة اسرائيل منذ هذا التاريخ.
عرضنا المشهد سريعًا لدولة فلسطين قبل 1948 وبداية الصراع المستمر حتى الآن، وعلى مدار هذه السنوات الطويلة لم يفلح أحد أن ينفي عنها عربيتها وانتمائها للإسلام، فستظل القدس عربية إسلامية ولن تفلح الدبابات والجيوش في طمس الحقائق الواضحة وضوح الشمس.
